رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 26 ديسمبر 2024 2:20 م توقيت القاهرة

المؤامرة ...........الجزء الثالث

كتب:مالك عادل

من هنا، قرر الغرب وأمريكا الابتعاد عن "القوة الخشنة Hard Power" والاتجاه إلى "القوة الناعمة Soft Power" التي ستمكنها من تنفيذ المخططات بالكامل دون أي خسائر بالأرواح والأموال من جانبها لذلك فقد عمدت إلى تغيير الأنظمة عبر تحريك الشارع العربى من خلال وكلائها والمتدربين على التنظيم السياسي والجماهيرى لديها وكيفية التأثير في الرأى العام وإعداد الدورات والتدريبات خارج بلدانهم للشباب المتطوع من خلال منظمات المجتمع المدنى مثل "معهد انشتاين" لمؤسسه جين شارب Gene Sharp، الذي قام بدور كبير في هذا المجال، من خلال إعداد مجموعة من القيادات الشابة حول أساليب التأثير غير العنيف "كفاح اللاعنف" كما يطلق عليه، إضافة إلى التدريب على الوسائل التقنية الحديثة في وسائل الاتصال الجماهيرى من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، وأكاديمية التغيير برعاية قطرية.
.
لكن الأهم هو ما جاء في مقال منشور بإحدى الصحف العربية عن دور الخبير الأمريكى في الثورات السلمية "جين شارب Gene Sharp" الذي لعبت كتاباته وأفكاره وبخاصة كتابه "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" دورًا مؤثرًا وخطيرًا في تفجير الثورات في العالم، من صربيا مرورًا بأوكرانيا وتايلاند وصولًا إلى إندونيسيا، والذي يعتبر واجهة لجهاز الاستخبارات الأمريكية، تساند هذه التحركات الإعلام المسخَّر والمستأجَر لهذا الغرض لتغطية الأحداث وتقديم الدعم الإعلامي الكامل لهذه التحركات من خلال الفبركة الإعلامية وشهود العيان مدفوعى الثمن.
.
وبهذا المفهوم، فإن "الفوضى الخلاقة" استمرت (كأداة) وليست هدفًا، وعندما تتعثر "الفوضى الخلاقة" سياسيا، وهى في بدايتها متعثرة، كما حدث في مصر وأنقذ الجيش المصرى الوطن، فإنها تقرر استخدام وسلوك سبل أخرى بعد التعثر؛ منها: الأعمال العسكرية المباشرة، والأعمال العسكرية غير المباشرة، والضغوط السياسية والاقتصادية، واستخدام (الإعلام) كديكتاتور أكبر يجمل وحشيته، ويعيث فسادًا في العقول ويضع "التشابك والفوضى والتفكيك" كحالة عقلية وفكرية ونفسية أمام الشعوب، ودعم وتزعم معظم حركات المجتمع المدنى من وراء الستار.
.
و منذ أكثر من ثلاثين عامًا تقريبًا وفى ذروة الحرب الأفغانية الروسية تسرب تقرير استخباراتى أمريكى يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في التيارات الإسلامية بديلًا محتملًا للحكومات في المنطقة العربية، اليوم وبعد أكثر من عقد من الزمن في محاولة تنفيذ مصطلح الفوضى الخلاقة يجد العرب أنفسهم أمام أزمات فكرية وسياسية وثقافية ساهم فيها الربيع العربى كما يسميه العرب ونظرية الشرق الأوسط الجديد كما يسميه الغرب .
.
ولعل السؤال المهم: كيف استطاع الغرب تمرير هذه الفكرة الاستعمارية مستغلًا جمودًا سياسيًّا وأوضاعًا اقتصادية ساهم هو أساسًا في صعودها؟

في الحقيقة، فإن الواقع السياسي للعالم العربى مقارنة بالغرب يعتبر محفزًا رئيسيًّا للشعوب للمغامرة، تحت أي نظرية يمكن أن تساهم في إحداث التغيير في تلك الدول، ولأن الوعى الفكرى والثقافى عملية شبه مفقودة في عالمنا العربى فإنه أصبح من السهل إيهام الشعوب العربية بأن شكلًا ديمقراطيًّا يشبه الغرب يمكن أن يقوم في المنطقة العربية بمجرد إحداث الفوضى وتغيير القيادات السياسية.
.
ولذلك، فإن نقص الوعى السياسي هو الذي جعل منظمة الإخوان المسلمين تحتل المركز الأول في الاختيارات التي وضعها الغرب لتنفيذ نظرية الشرق الأوسط ولعل الأسباب لذلك كثيرة ومنها: أن تعطش تنظيم الإخوان للحكم يجعل منه مستعدًا للموافقة على جميع التنازلات السياسية وهذا ما حدث فعلًا، فعلى سبيل المثال قامت الجماعة وقبل أن تصل للحكم بعشر سنوات تقريبًا ومن خلال مرشدها في ذلك الوقت مهدى عاكف الذي صرح لوكالة "أسوشيتد برس" بأن الجماعة ملتزمة باتفاقية السلام مع إسرائيل في حال وصولها للحكم .
.
إن جماعة الإخوان المسلمين الخيار الأنسب لتحقيق الفوضى الخلاقة بالنسبة للغرب تكشف ضعفًا فكريًّا ساهمت فيه السياسة العربية والتي تعتقد أن تديّن الشعوب الجاهلة هو المسار الوحيد للسيطرة عليها، وهذا خطأ إستراتيجي يصعب الخلاص منه اليوم، كما أنها، على مستوى التنظيم، تأخذ شكل شبكة، وهى منظمة دولية تطرح نفسها بأنها ذات توجه إسلامى، مما يجعلها أداة مناسبة لتنفيذ ذلك المخطط، وفقًا لارتباطاتها السابقة بالإنجليز وغيرهم في تجارب عديدة، ووفقًا لاستعدادهم لتقديم أية تنازلات مطروحة في سبيل ذلك.
.
إن الإخوان المسلمين جماعة تعتمد على هامش كبير من المراوغة والمرونة والتحول، وهى في تنظيمها تشبه نمط الجمعيات الماسونية السرية، فهى أبدت تعاونًا وعلاقات بالمخابرات البريطانية والأمريكية منذ عام 1928، وحسب ستيفن دوريل، مؤلف كتاب "إم آى 6: داخل العالم الخفى للاستخبارات السرية لصاحبة الجلالة"، فإن المخابرات البريطانية نجحت في تأسيس اتصالات وثيقة مع الإخوان المسلمين بعيدًا في الماضى منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.
وبعد الحرب العالمية الثانية حلّت محلها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA دون أن يعنى ذلك بأى شكل تقليص الاتصالات مع البريطانيين، على العكس تمامًا، إذ إن صلات الإخوان مع "سى آى إيه" و"إم آى 6" تعززت عندما وصل جمال عبد الناصر للسلطة عام 1954.
.
وقد استخدمت أمريكا الإسلاميين والإخوان في تحقيق أهدافها في محاربة الاتحاد السوفييتى في أفغانستان في الثمانينيات، وحاربوا روسيا المعاصرة في الشيشان وداغستان، وفى عام 2011 لعب الإخوان المسلمون دورًا فعالًا في القفز على الثورة في مصر وإسقاط معمر القذافى في ليبيا، ثم تعميق الأزمة السورية.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.