رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 9 مايو 2024 8:27 ص توقيت القاهرة

مقدمة العدد الجديد من كتاب الرواد الذي يوزع الاربعاء القادم في احتفالية بعنوان ( د.كمال عيد .. المبدع والأستاذ الأكاديمي (مقتطف من الاصدار)

بقلم/ د.عمرو دوارة الكتابة عن قامة شامخة بحجم وقدر الأستاذ دكتور/ كمال عيد عملية شاقة ومرهقة للغاية، فانجازاته كثيرة جدا وإسهاماته متعددة ومتنوعة في أكثر من مجال ثقافي وفني، وبرغم قيمة تلك الإسهامات والإنجازات التي لا ينكرها أحد إلا أنه يصعب تتبعها وحصرها، وذلك لغزارتها وتنوع مجالاتها بالإضافة إلى غياب المراجع الموثقة لتلك الأعمال، وربما يعود السبب الأول في ذلك إلى تواضعه الشديد وعزوفه عن الأضواء، وحرصه على تخصيص كل وقته للعمل بعيدا عن تولي المناصب القيادية أو الاهتمام بأضواء الشهرة وإجراء اللقاءات والأحاديث الإعلامية، ولكن من المفارقات التي يجب تسجيلها هي أنه وبالرغم من عزوفه الدائم عن أضواء الشهرة إلا أنه يندر وجود من لا يعرفه من المتخصصين بفنون المسرح وعلومه سواء في "مصر" أو بجميع الدول العربية، وحتى من لم يلتق به - أو لم يتعرف حتى على ملامحه من خلال صورته - لابد وأن يكون قد استفاد يوما من بعض إصداراته، والتي تعد جميعها مراجع هامة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لجميع العاملين في مجال الفنون الدرامية بصفة عامة والفنون المسرحية بصفة خاصة. والمخرج المبدع والمنظر الأكاديمي/ د.كمال عيد هو بلا شك أحد رموز الإبداع الفني الذين تفخر بهم حياتنا المسرحية، فهو أحد رواد النهضة المسرحية الحديثة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، هؤلاء الذين ساهموا بموهبتهم وخبراتهم في إثراء مسيرة المسرح المصري بصفة خاصة والمسرح العربي بصفة عامة، وتضم قائمة أسمائهم شموسا ساطعة في مجال الإخراج المسرحي فبجوار اسمه برزت أسماء مخرجي الستينيات: كمال يس، سعد أردش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، نجيب سرور، أحمد زكي، فاروق الدمرداش، وسمير العصفوري مع جيل الخمسينيات الذي سبقهم ومن بينهم: عبد الرحيم الزرقاني، نبيل الألفي، حمدي غيث، نور الدمرداش وسعيد أبو بكر. ويحسب للمبدع القدير/ د.كمال عيد أطال الله في عمره أنه مازال حريصا - وبدأب شديد - علي بذل الكثير من الجهد لإنارة الطريق أمام الأجيال الجديدة من المسرحيين، وذلك سواء عن طريق المساهمة الأكاديمية بالتدريس والإشراف علي الدراسات العليا، أو عن طريق نشر الترجمات والمؤلفات المسرحية وكتابة المقالات والدراسات ومن بينها تلك المقالات القيمة بجريدة "مسرحنا الأسبوعية". والحقيقة أن الأستاذ الدكتور/ كمال عيد يتميز عن زملاء جيله من المخرجين بأنه ليس فقط من المبدعين المشهورين في عالم المسرح، ولكنه أيضا من المتخصصين الكبار المتميزين في علومه، فتاريخه حافل بالشهادات العلمية والمساهمات الأكاديمية، وقلما تجد مسرحيا في الوطن العربي لم يتتلمذ على يديه بصورة مباشرة أو غير مباشرة (بالاستفادة من مراجعه الأدبية والفنية القيمة)، فهو رجل عشق المسرح ، وبذل من نفسه وجهده الكثير والكثير، وكم من قضايا مسرحية تصدى لها وبكل شجاعة، حتى ولو أدخلته في خصومات مع بعض الانتهازيين الذين سلبوه بعض حقوقه. ويحسب له خلال مسيرته الثرية الرائعة إيمانه العميق بعروبته وبمسؤوليته التنويرية تجاه الأقطار العربية الشقيقة، فطار بين الأقطار العربية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا بنشاط وهمة - كالنحلة التي تحمل حبوب اللقاح وتفرز العسل - يدرس الفن وينشر القيم وينشئ معاهد المسرح ويؤلف ويبدع في شتى المجالات. واستكمالا لمسيرة أستاذه الرائد الكبير/ زكى طليمات - الذي إرتبط به فكريا ومنهجيا - وسيرا على دربه لم يكتف د.كمال عيد بمساهماته في الإخراج والدراسات الأكاديمية بل شارك أيضا في أنشاء وتأسيس بعض المؤسسات الثقافية والفنية سواء في البنية الأساسية ومن بينها على سبيل المثال: المسرح الصيفي فى بور سعيد (1957)، ومسرح جامعة أسيوط (1958)، أو بالمساهمة بدوره الفعال في تكوين فرق الأقاليم بمصر (خلال الفترة من 1964 إلى 1968)، وبالتحديد فرق الأسكندرية والبحيرة والقليوبية وبني سويف، ولم يقتصر هذا الدور الهام على "مصر" فقط بل تخطى الحدود أيضا فساهم في تقديم معاونات فنية لكل من: مركز الأبحاث والدراسات – المؤسسة العامة للسينما والمسرح وللمسرح الوطني العراقي بغداد (1980م)، وفي انشاء كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة الفاتح في ليبيا (عام ١٩٨7)، وإنشاء قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة بجامعه الكوفة بالعراق (عام 1990)، وكذلك بالمساهمة في إنشاء مسرح الطالب بدولة الكويت (1993م)، وإنشاء قسم الدراسات العليا بقسم الإعلام - كلية الآداب - جامعة الملك سعود – الرياض (1998م). ويجب التنويه إلى أن هذا الرائد المسرحي الكبير للمحب لوطنه - والذي سبق لي شرف كتابة دراسة نقدية عن مسيرته (نشرت بجريدة القاهرة في 9/3/2010) - لم يبتعد فعليا ولا وجدانيا أبدا عن بلاده، وعلى سبيل المثال فإنه خلال السنوات التي قضاها بالمجر وبالتحديد تلك الفترة البينية بين حصوله على درجة "الماجستير" ودرجة الدكتوراه" نجح في تقديم بعض الدراسات وأيضا العروض الهامة بمصر، حيث قام باستكمال دراساته فى الدراما المصرية الشعبية وتجميع هذه الأشكال من الدراما، وهي الدراسات التي بدأها مبكرا منذ أخراجه لمسرحيات: "شفيقة ومتولي" والمستخبي" عام 1964، و"الأراجوز" عام 1967، كما قام بمساعدة بأستاذه الرائد/ زكى طليمات فى إخراج العرض الاحتفالي "موال من مصر" فى أوائل عام ١٩٧2. وأحمد الله أن منحني فرصة الاقتراب من عالم هذا العام الجليل مبكرا، فأتيحت لي فرصة الاقتراب منه لأتعلم الكثير، وربما يتفق معي كل من عرفه أو تعامل معه عن قرب بأن الدرس الأول الذي يتعلمه كل من يقترب من عالمه هو فضيلة التواضع، بكل ما تحمله هذه الصفة من معاني سامية في التعامل بلباقة ولطف وكياسة وعطف وحنان وأبوة حقيقية وعطاء مستمر، أما الدرس الثاني فهو قيمة العلم وضرورة الاجتهاد المستمر لتحصيل أكبر قدر من المعلومات والمعارف وتقديمها للآخرين بسهولة ويسر. حقا إن الحديث عن هذا العالم الجليل حديث ذو شجون ويطول، وخزينة الذكريات بها كثير من المواقف الإيجابية منذ تفتحت عيني على عالم المسرح الساحر، ومازلت أتذكر جلساته المستمرة بمنزلنا مع الوالد شيخ النقاد المسرحيين/ فؤاد دوارة عام 1961 لمراجعة أدق تفاصيل حوار مسرحية "الحضيض" رائعة مكسيم جوركي، تلك التي فضل د.كمال التصدي لإخراج ترجمة الوالد لها عن أي ترجمة أخرى، وتتوالي السنوات سريعا وأغلبها للأسف وهو بعيد عن أرض الوطن ينشر علمه ويؤدي رسالته، ولكن بمجرد أن استقر منذ عام 2001 بمصر توثقت الصلات مرة أخرى، وأسعدني كثيرا بتشجيعه ورأيه التقييمي في بعض مقالاتي النقدية، ثم أقتربت من عالمه أكثر حينما قبل متطوعا مسؤولية رئاسة لجنة التحكيم العربية بالدورة التاسعة لمهرجان "المسرح العربي" عام 2011 (والذي أشرف بتأسيسه وإدارته)، لألمس عن قرب كم تضحياته في سبيل إنجاح فعاليات المهرجان، كما ألمس مدى رعايته للمواهب الشابة وحرصه على صقلها بأسلوب علمي، ومدى رحابة صدره في الاستماع إليهم وقدرته على توجيههم، وأيضا حرصه على إهداء مجموعة كتبه النادرة لكل من يتوسم فيه الرغبة الحقيقة للقراءة وتطوير معارفه، ومما سبق يتضح ويتأكد أن سلوكياته الشخصية تتطابق تماما مع صفات العلماء الحقيقيين بتواضعهم ودماثة خلقهم وإصرارهم علي العطاء دون انتظار للمقابل. والجدير بالذكر أن الطريق لم يكن كله ممهدا أمام د.كمال عيد كما قد يتصور البعض، ولكنه استطاع دائما تخطي الصعاب وتحقيق النجاح ووضع بصمة مميزة له، وذلك بالسير في طريق حياته مسلحا بالإيمان بالله وبموهبته التي منحها إياه، فسار في طريقه بحماسة الشباب وحنكة وخبرة أهل العلم من المؤمنين برسالتهم، ودورهم التنويري في حياة أمتهم، ويكفي أن نذكر تعرضه لأزمة كبيرة عام 1974 ، وذلك عندما غضب عليه وزير الثقافة حينذاك الأديب/ يوسف السباعى لكتابته مقال بمجلة "روزاليوسف" ينتقد فيه سياسات وزارة الثقافة، وكاد بالفعل أن يبطش به ويحيله إلى الإستيداع، وحينها رفض د.كمال تقديم أي إعتذارات أو مهادنات لتسوية الخلاف، واضطر لقبول عرض السفر إلى الشقيقة "ليبيا"، لاستكمال دوره التنويري هناك وكتابة بعض دراساته الهامة، ومن المفارقات أن الموقف نفسه قد تكرر وفي نفس الفترة تقريبا مع والدي (لخلاف نقدي حول تقيم أوبريت "هدية العمر" من تأليف/ يوسف السباعي) فاضطر أيضا لقبول عرض السفر إلى الشقيقة "الكويت"!! وإذا كان يحسب لهذا المثقف الحقيقي تواضعه الشديد واعتزازه بانتمائه للطبقات المتوسطة وعدم تنكره أبدا لطبقته الاجتماعية، تلك التي يعلن دائما عن اعتزازه بها وفخره بما قدمته له، فإنه يحسب له أيضا اعترافه بالجميل وفضل الآخرين، وكثيرا ما يذكر بكل العرفان بالجميل دور أسرته وخاصة والدته وتضحياتها من أجل رعايته وتوفير المناخ المناسب لتفوقه، كما يذكر فضل ثورة يوليو 1952 ومحاولاتها المستمرة لتحقيق العدالة الاجتماعية، فهي التي منحته فرصة الدراسة والحصول على أعلى الشهادات من أوروبا، كما يعترف بفضل الزعيم الراحل/ جمال عبد الناصر الذي منحه - مع مجموعة أوائل الحاصلين على الدراسات العليا بالخارج - شقته بمصر الجديدة (من شقق الحراسات)، والتي مازال يقيم بها ويرفض تغييرها، خاصة بعدما ارتبط بها وأصبحت شريكته في تحقيق كثير من الانجازات الأدبية والفنية الهامة. ومما سبق يتضح جليا أن المسيرة الشخصية والفنية للدكتور/ كمال عيد تعد نموذجا رائعا للرجل المصري العصامي المحب لبلده والمهوم بقضاياه، خاصة وقد وعي لدوره التنويري الإيجابي مبكرا، فآمن بضرورة مشاركته الفعالة للإرتقاء بمستوى المهنة ونشر قيم الخير والحق والجمال، والسعى لتنمية وصقل المواهب بالأجيال التالية، كما دفعه وعيه بدوره التاريخي إلى المشاركة بتمثيل بلاده التي يعشقها، فجاب العالم ممثلا للمسرح المصري والمسرح العربي في المؤتمرات الدولية، فكان بحق خير سفير للعروبة ومسرحها. هذا ويجب التنويه إلى أن تلك المكانة المتفردة في حياتنا المسرحية التي يتمتع بها د.كمال عيد هي نتيجة منطقية لتضافر مجموعة من العوامل الهامة التي تكاملت فيما بينها لتحقق له تلك المكانة، وهي تلك العوامل التي يمكن إجمالها في النقاط التالية: موهبته المؤكدة/ نجاحه في صقل موهبته بالدراسة/ شخصيته القوية والتي تتسم بتقديس العمل وقبول الإصرار والتحديات/ رعاية الدولة للموهوبين ومنحه الفرصة الذهبية بإيفاده ببعثة دراسية إلى المجر وحصوله على أعلى الشهادات/ قدرته على الاستفادة من الخبرات المتراكمة/ بداياته مع جيل من المبدعين المثاليين الذين يحترمون إبداعات الأخرين ويتحلون بسعة الصدر واحترام الاختلاف ويتمسكون بشرف الخصومة، وهو الجيل الذي اتسم بوجود تنافس شريف بين مبدعيه ووجود حركة نقدية نشطة ومؤثرة نجحت في ترشيد وتصحيح المسارات الثقافية والفنية. وهذا الكتيب الذي يصدره المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية" برئاسة الشاعر الأديب/ د.مصطفى سليم وبرعاية كاملة من الصديق الفنان/ خالد جلال - والذي سعدت بتكليفي بإعداده - محاولة متواضعة للإقتراب من العالم الإبداعي الرحب لهذا الرائد الكبير وتسجيل وتوثيق بعض إسهاماته وإبداعاته، وبخلاف السيرة الذاتية وقائمة الإنجازات والمساهمات الثقافية والفنية، وتقييم هذه المسيرة الثرية من خلال أقلام نخبة من كبار النقاد والمتخصصين وكذلك من خلال تكريم الهيئات والمؤسسات الثقافية يتضمن توثيقا لبعض المقتطفات من حوراته وأقواله، تلك التي يمكنها أن توضح بعض أفكاره، كما توضح مدى إيمانه الكبير بدوره المنوط به لرعاية الأجيال التالية. ولا يسعني في النهاية إلا الدعاء له بأن يمتعه الله بالصحة وطول العمر ليستكمل سلسلة انجازاته المهمة ورعايته للأجيال التالية، ويستمر رمزا وقدوة لنا نفخر بوجوده بيننا وإسهاماته بمسرحنا المعاصر.

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.